Sebuah renungan : Rasulullah saw bersabda,’Orang beriman itu bersikap ramah dan tidak ada kebaikan bagi seorang yang tidak bersikap ramah. Dan sebaik-baik manusia adalah orang yang paling bermanfaat bagi manusia.

أَقْوَالُ الْعُلَماَءِ فِى خَبَرِ الْـوَاحِدِ

أَقْوَالُ الْعُلَماَءِ فِى خَبَرِ الْـوَاحِدِ:
1-       أَقْوَالُهُمْ بِأَنَّ خَبَرَ الْــوَاحِدِ لا يفيدُ إِلاَّ الظنّ 
2-       أَقْوَالُهُمْ فِي عَدَمِ الإِسْتِدْلاَلِ بخَبر الـواحِدِ في العقائِدِ


بقلـم مصطفى على المرتضى

الوجه الاول: كلمة التقديم
قد سألني بعضُ الإخوة فى الله عن خبر الواحد، تعريفه وأنواعه وما الفرق بين خبر الواحد وخبر المتواتر ومواقف العلماء الأجلاء عن إستدلال بخبر الواحد فى الأصول والفروع. وقد وجدت مفاهيم غير واضحة عن هذه المسألة المهمة فى كثير منهم.
فى هذه الكراسة الصغيرة (2) جمعت أقوال العلماء الأجلاء القاطبة من المذاهب الأربعة عند أهل السنة والجماعة — أعني الأحناف، والمالكية، والشافعية، والحنابلة— فى موضعين: أولهما، أقوالههم بأن خبر الواحد لا يفيد إلا الظن؛ وثانيهما، أقوالهم في عدم الإستدلال بخبر الواحد في العقائد. وقد نقلت لكم فى هذه الكراسة أيها الإخوة فى الله مواقف العلماء القاطبة الشاهرة من المذاهب الأربعة. وفى نهاية الموضوع أضافت أقوال بعض مشايخ الأمة فى هذا العصر تأكيدا وزيادة فى المنفعة.

أما المصطلحات التي سنستعملها فى هذه الكراسة فأبينها بشكل موجز فيما يلي:
والعلم: هو الاعتقاد الجازم المطابق للواقع (3). وهو المقصود من كلامهم "خبر الآحاد لا يفيد العلم"، ويطلق العلم ويراد منه الفقه في الدين على نحو قوله عليه الصلاة والسلام "طلب العلم فريضة"، وقوله "إن الأنبياء لم يورثوا درهماً ولا ديناراً وإنما ورثوا العلم".
أما اليقين فهو لفظ مشترك أيضاً، فيطلق ويراد منه الموت كقوله تعالى "واعبد ربك حتى يأتيك اليقين"، ويطلق ويراد منه نقيض الشك كقوله تعالى: {إن هذا لهو حق اليقين}، ويطلق ويراد منه عكس الظن كقوله تعالى: {وما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا} وهذا المعنى الأخير هو المقصود من كلامهم "إن خبر الآحاد لا يفيد العلم واليقين".
وأما الظن: فهو لفظ مشترك أيضا، يطلق ويراد منه اليقين كقوله تعالى: {الذين يظنون انهم ملاقوا ربهم وأنهم إليه راجعون}، ويطلق ويراد منه الكذب كقوله تعالى: {إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون}، ويطلق ويراد منه الشك على نحو قوله تعالى: {اجتنبوا كثيراً من الظن}، وقوله عليه السلام: "إياكم والظن فإنَّ الظن من أكذب الحديث"، ويطلق ويراد منه الإعتقاد الراجح كقوله تعالى: {إن ظنا أن يقيما حدود الله} وذكر هذا الأخير الزركشي في البرهان(4).  والغُزِّيُّ في إتقانه(5).
وقال الإمام أبو إسحاق الشيرازي، صاحب المهذب: الظن تجويز أمرين أحدهما أظهر من الآخر، وذلك كخبر الثقة يجوز أن يكون صادقاً ويجوز أن يكون كاذباً غير أن الأظهر من حاله الصدق(6).
وهذا المعنى الأخير للظن هو المقصود من كلامهم بأن خبر الآحاد لا يفيد إلا الظن ولا يفيد اليقين. والله المستعان وهو ولي التوفيق.
__________
(1)   بقلم الفقير إلى رحمة الله ومغفرته مصطفى على الموتضى
(2)   أما الموضوع الأخر سأكتب فى كراسة أخرى إن شاء الله
(3)   كما ذكره الجرجاني في تعريفاته ص135، وذكر نحوه الصنعاني في شرح بغية الأمل ص22
(4)   البرهان في علوم القرآن للزركشي 4/156
(5)   الشَّيْخُ مُحَمَّدٌ نَجْمُ الدِّينِ الْغُزِّيُّ، اتقان ما يحسن من الاخبار الدائرة على الالسن 1/476
(6)   قاله في شرح اللمع 1/150


الوجه الثاني: أقوال العلماء فى أن خبر الواحد لا يفيد العلم
وإليكم، أيها الإخوة الأعزاء، أقوالهم في ذلك عند المذاهب المشهورة بين أهل السنة والجماعة:
1-            المذهب الحنفي: 
وأول ما نبدأ به ما نسب إلى الإمام الاعظم أبي حنيفة رضي الله عنه في ذلك: فقد روى الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى أنه لا كفارة عليه وإن بلغه الخبر، لأن خبر الواحد لا يوجب علم اليقين، وإنما يوجب العمل تحسيناً للظن بالراوي فلا تنتفي الشبهة به(1).
ومما اشتهر عن أبي حنيفة أنه كان يرد خبر الواحد إذا تعارض مع القياس أو كان مما عمت به البلوى.
وقال أبو البركات النسفي في كشف الأسرار على المنار: "وأما دعوى علم اليقين به فباطل، لأنا قد بينا أن المشهور لا يوجب علم اليقين فخبر الواحد أولى، وهذا لأن خبر الواحد محتمل في نفسه، وكيف يثبت اليقين مع وجود الاحتمال"(2).
وقال الكمال بن الهمام في التحرير، وصاحب تيسير التحرير: "والأكثر من الفقهاء والمحدثين: خبر الواحد لا يفيد العلم مطلقاً أي سواء أكان بقرائن أم لا. ثم قال إن خبر الواحد قد يفيد العلم بقرائن"(3).
ثم قرر في فتح القدير قائلاً: "أن خبر الواحد لا يوجب اليقين بل الظن"(4).
وقال عبد الحميد الاسمندي: ذهب أكثر الناس إلى أنه لا يوجب العلم أصلاً، وذهب أصحاب الظاهر إلى أنه يوجب العلم.
__________
(1) كما ذكره السرخسي في مبسوطه 3/80
(2)كشف الاسرار على المنار له 2/19
(3) كذا في تيسير التحرير 3/76
(4) كما في فتح القدير له 3/159

وقد ناقش الاسمندي هذه المذاهب، وذهب فيها مع الأكثرية كما ومنع من قبول الآحاد في العقائد كما سيأتي ذكره في بابه إن شاء الله تعالى(5).
وقال شمس الأئمة الإمام السرخسي: قال فقهاء الأمصار رحمهم الله: "خبر الواحد العدل حجة للعمل به في أمر الدين ولا يثبت به علم يقين". ثم قال: "وقد بينا فيما سبق أن علم اليقين لا يثبت بالمشهور من الأخبار بهذا المعنى فكيف يثبت بخبر الواحد"(6).
وقال الخبازي: "ولأن خبر الواحد يفيد غلبة الظن وأنه يوجب العمل لعدم توقفه على اليقين بيقين"(7).
وقال علاء الدين السمرقندي: ومنها -أي أقسام الآحاد- أن يرد الخبر في باب العمل فأما إذا ورد في باب الاعتقادات وهي من مسائل الكلام فإنه لا يكون حجة لأنه يوجب الظن وعلم غالب الرأي لا علماً قطعياً(8).
وقال أبو جعفر السجستاني: وخبر الواحد: فإنه لا يوجب العلم ويجب العمل تبركاً بنسبته إلى النبي (9).
وقال فخر الإسلام البزدوي: وهذا أي خبر الواحد يوجب العمل ولا يوجب العلم يقيناً. ثم قال: إنا قد بينا أن المشهور لا يوجب علم اليقين فهذا أولى، وهذا لأن خبر الواحد محتمل لا محالة ولا يقين مع الاحتمال، ومن أنكر هذا فقد سفه نفسه وأضل عقله(10).
وقال عبد العزيز البخاري في شرحه لكلام البزدوي: أي لا يوجب علم يقين ولا علم طمأنينة، وهو مذهب أكثر أهل العلم وجملة الفقهاء(11).
__________
(5)راجع إن شئت في ذلك كتابه الموسوم بذل النظر في الأصول ص393
(6)كذا ذكره في أصوله 1/329 و 1/112 و 1/321
(7) ذكره في المغني في أصول الفقه له ص195
(8) كما في ميزان الأصول له ص430
(9)  ذكره في كتابه الغنية في الأصول ص38
(10) كما في كشف الأسرار على أصول البزدوي 2/370
(11) المصدر السابق 2/376

وقال أيضاً: فإن الأدلة السمعية أنواع أربعة: قطعي الثبوت والدلالة كالنصوص المتواترة، وقطعي الثبوت ظني الدلالة كالآيات المؤولة، وظني الثبوت قطعي الدلالة كأخبار الآحاد التي مفهومها قطعي، وظني الثبوت والدلالة كأخبار الآحاد التي مفهومها ظني(12).
 وقال ابن عابدين في حاشيته مثل ذلك.
وقال أبو الثناء الماتريدي: وحكمه -أي خبر الآحاد- أنه يوجب العمل دون العلم(13).
وقال نظام الدين الأنصاري: الأكثر من أهل الأصول ومنهم الأئمة الثلاثة على أن خبر الواحد إن لم يكن هذا الواحد المخبر معصوماً نبياً لا يفيد العلم مطلقاً، سواء احتف بالقرائن أو لا(14).
وقال أبو بكر الجصاص في كلامه على قوله تعالى {إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا} قال: وفي هذه الآية دلالة على أن خبر الآحاد لا يوجب العلم، إذ لو كان يوجب العلم بحال لما احتيج فيه إلى التثبت(15).
وقال الكاساني: وإنما سمينا هذا النوع واجباً لا فرضاً لأن الفرض اسم لما ثبت لزومه بدليل مقطوع به، ولزوم هذا النوع من الزكاة لم يثبت بدليل مقطوع به، بل بدليل فيه شبهة العدم وهو خبر الواحد(16).
وقال في موضع آخر: "ووجوب المسح على الجبائر ثبت بحديث علي رضي الله عنه وأنه من الآحاد فيوجب العمل دون العلم"(17).
__________
(12)كما في كشف الأسرار على أصول البزدوي 1/28، قول ابن عابدين في حاشبته على رد المختار 1/95
(13)ذكره في كتابه أصول الفقه ص148
(14)ذكره في شرح مسلم الثبوت كما في حاشبة المستصفى 2/121
(15)ذكره في كتابه أحكام القرآن 5/279
(16)كما في بدائع الصنائع له 2/69
(17) المرجع السابق 1/14

وقال أبو زيد الدبوسي: فأكثر الأهواء والبدع كانت من قبل العمل بخبر الواحد وقبوله اعتقاداً أو عملاً بلا عرض له على الكتاب والسنة الثابتة، ثم تأويل الكتاب لموافقة خبر الواحد وجعل المتبوع تبعاً وبناء الدين على ما لا يوجب العلم يقيناً فيصير الأساس علماً بشبهة فلا يزداد به إلا بدعة وكان هذا الضرر بالدين أعظم من ضرر من لم يقبل خبر الواحد…(18).
----------
(18)  ذكره عنه السمعاني في قواطع الادلة 1/366

2-            المذهب المالكي: 
أول ما نبدأ به ما نسب إلى الامام مالك بن انس، إمام دار الهجرة، رضي الله عنه في هذا الموضوع. قال أبو الوليد الباجي: ومذهب مالك رحمه الله قبول خبر الواحد العدل وأنه يوجب العمل دون القطع على عينه وبه قال جميع الفقهاء(1).
__________
(1) ذكره في الإشارة في أصول الفقه ص203

وقال في إيصال السالك في أصول الإمام مالك: والنطقي على قسمين، قطعي وظني، فالقطعي منه هو المشاهد أو المنقول بالتواتر والظني هو المنقول بخبر الآحاد الصحيح وهو حجة ظنية والقطعي حجة قطعية(2).
فائدة: 
        ومما يدل على أن خبر الآحاد لا يفيد العلم عند الإمام مالك أنه كان يرده إذا تعارض مع عمل أهل المدينة على ما ذكره عنه القاضي عياض وسحنون، ومثلوا لذلك بحديث: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا" فرده لتعارضه مع عمل أهل المدينة(3).
وقال أبو اسحاق الإسفراييني عن ابن خويز منداد أن عنده شواذ عن مالك لم يعرج عليها حذاق المذهب وذكر منها قوله: أن خبر الواحد مفيد للعلم(4).
وقال أبو عبد الله الشاطبي: وأما الثاني وهو الظني الراجع إلى أصل قطعي فإعماله أيضاً ظاهر، وعليه عامة أخبار الآحاد. وقال أيضاً: رتبة السنة التأخر عن الكتاب في الاعتبار، والدليل على ذلك أمور: أحدها، أن الكتاب مقطوع به، والسنة مظنونة والقطع فيها إنما يصح في الجملة لا في التفصيل، بخلاف الكتاب فإنه مقطوع به في الجملة والتفصيل، والمقطوع به مقدم على المظنون(5).
وقال أبو العباس القرافي: باب في خبر الواحد: وهو خبر العدل الواحد أو العدول المفيد للظن. وقال: وخبر الواحد لا يفيد إلا الظن. وقال أيضاً: وخبر الواحد مظنون(6).
__________
(2) هذا الكتاب هو لمحمد بن بحيى بن عمر المختار بن الطالب ص17
(3) أنظر إن شئت ترتيب المدارك وتقريب المسالك للقاضي عياض 2/70
(4) كما ذكره ابن حجر في لسان الميزان 5/291
(5) قال ذلك كله في الموافقات له 3/16 و 4/7
(6) كذا قاله في كتابه شرح تنقيح الفصول ص356 فما فوق

وقال أبو بكر بن العربي: أما الثاني: الذي يوجب العمل دون العلم فهو خبر الواحد المطلق عما ينفرد بعلمه، وقال قوم: إنه يوجب العلم والعمل كالخبر المتواتر، وهذا إنما صاروا إليه بشبهتين دخلتا عليهم، إما لجهلهم بالعلم، وإما لجهلهم بخبر الواحد. فإنا بالضرورة نعلم امتناع حصول العلم بخبر الواحد وجواز تطرق الكذب والسهو عليه...(7).
وقال أبو عبد الله القرطبي المفسر: وأكثر أحكام الشريعة مبنية على غلبة الظن كالقياس وخبر الواحد وغير ذلك(8).
وقال أبو العباس القرطبي في المفهم على حديث تحويل القبلة: "فتركوا التواتر بخبر الواحد وهو مظنون"(9).
وقال القاضي أبو بكر الباقلاني: والآحاد لا تفضي إلى العلم. وقال أيضاً: اعلم وفقك الله أن كل ما يطلب العلم فيه فلا يقبل فيه أخبار الاحاد(10).
وقال الحافظ الإمام ابن عبد البر الأندلوسي: اختلف أصحابنا وغيرهم في خبر الواحد العدل: هل يوجب العلم والعمل جميعاً؟ أم يوجب العمل دون العلم؟ قال: والذي عليه أكثر أهل الحق منهم أنه يوجب العمل دون العلم، وهو قول الشافعي وجمهور أهل الفقه والنظر(11).
وقال الحجوي: والصواب أن خبر الواحد إذا تجرد عن القرائن مفيد للظن خلافاً للظاهرية الذين ادعوا إفادته العلم اليقيني(12).
__________
(7) ذكره في المحصول له ص115
(8)  ذكره في جامعه لاحكام القرآن عند تفسير قول الله تعالى "ان بعض الظن إثم"
(9) ذكره في المفهم شرح صحيح مسلم له 2/125
(10)ذكره في التلخيص 2/34/430 ونحو ذلك في التمهيد له ص164
(11)كما نقله عنه في المسودة لآل تيمية ص220
(12) ذكره في كتابه الفكر السامي 1/111


وقال الزرقاني: فالحق عدم جواز نسخ القرآن به -أي بخبر الآحاد- للمعنى المذكور وهو أنه ظني والقرآن قطعي والظني أضعف من القطعي فلا يقوى على رفعه، والقائلون بجواز نسخ القرآن بالسنة الآحادية اعتماداً على أن القرآن ظني الدلالة، حجتهم داحضة، لأن القرآن إن لم يكن قطعي الدلالة فهو قطعي الثبوت، والسنة الآحادية ظنية الدلالة والثبوت معاً فهي أضعف منه فكيف ترفعه(13).
 (13) ذكره في كتابه مناهل العرفان 2/173

3-            المذهب الشافعي: 
وأول ما نبدأ به في ذلك ما نسب إلى الإمام الاعظم ناصر السنة محمد بن إدريس الشافعي المطلبي رضي الله عنه. قال أبو بكر الصيرفي: خبر الواحد يوجب العمل دون العلم ونقله عن جمهور العلماء منهم الشافعي(1).
وأيضاً ما ذكره ابن عبد البر المالكي قبل قليل ونسبه إلى جمهور العلماء وقال: وهو قول الشافعي.
وما نسبه أيضاً الأنصاري من الأحناف قبل قليل إلى الأئمة الثلاثة وهي: مالك، وأبي حنيفة والشافعي.
وقال الحافظ أبو بكر بن ثابت المعروف بالخطيب البغدادي في كتابه تحت عنوان: ذكر شبهة من زعم أن خبر الواحد يوجب العلم وإبطالها. فقال: وأما خبر الآحاد فهو ما قصر عن صفة المتواتر ولم يقطع به العلم وإن روته الجماعة. وقال: وأما الضرب الثاني من المسند فمثل الأخبار المروية في كتب السنن الصحاح فإنها توجب العمل ولا توجب العلم(2).
وقال أبو المعالي الجويني المعروف بإمام الحرمين: ذهبت الحشوية من الحنابلة وكتبة الحديث إلى أن خبر الواحد العدل يوجب العلم، وهذا خزي لا يخفى مدركه على كل ذي لب.
__________
(1) نقله عنه الزركشي في البحر المحيط 4/262
(2) ذكره ذلك في كتابه الكفاية في علم الرواية ص16 و18 و25 وفي كتابه الفقيه والمتفقه 1/96

وقال: أتجوزون أن يزل العدل الذي وصفتموه ويخطئ؟ فإن قالوا: لا، كان ذلك بهتاً وهتكاً وخرقاً لحجاب الهيبة ولا حاجة إلى مزيد البيان فيه، والقول القريب فيه أنه قد زال من الرواة والأثبات جمع لا يعدون كثرة، ولو لم يكن الغلط متصوراً لما رجع راو عن روايته، والأمر بخلاف ما تخيلوه. وقال في الورقات: والآحاد وهو الذي يوجب العمل ولا يوجب العلم لاحتمال الخطأ فيه... (3).
وقال شيخ الاسلام الإمام الحافظ النووي، صاحب المجموع شرح المهذب، في شرح مسلم: وهذا الذي ذكره ابن الصلاح في شأن صحيح البخاري ومسلم في هذه المواضع خلاف ما قاله المحققون والأكثرون فإنهم قالوا: أحاديث الصحيحين التي ليست بمتواترة إنما تفيد الظن فإنها آحاد، والآحاد إنما تفيد الظن على ما تقرر ولا فرق بين البخاري ومسلم وغيرهما في ذلك، وتلقت الأمة بالقبول إنما أفادنا وجوب العمل بما فيهما وهذا متفق عليه، فإن أخبار الآحاد التي في غيرهما يجب العمل بها إذا صحت أسانيدها ولا تفيد إلا الظن فكذا الصحيحان.
وقال أيضاً: وأما خبر الواحد فهو ما لم يوجد فيه شروط المتواتر سواء كان الراوي له واحداً أو أكثر واختلف في حكمه، فالذي عليه جماهير المسلمين من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من المحدثين والفقهاء وأصحاب الأصول أن خبر الواحد الثقة حجة من حجج الشرع يلزم العمل بها ويفيد الظن ولا يفيد العلم(4).
وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني في نخبة الفكر في كلامه عن المتواتر: فكله مقبول لإفادته القطع بصدق مخبره بخلاف غيره من أخبار الآحاد (5).
__________
(3) ذكر ذلك كله في البرهان له 1/606 وفي الورقات ص12
(4) هذا كله في شرح صحيح مسلم للنووي 1/20 و 1/131
(5) كما في نخبة الفكر في مصطلحات أهل الاثر ص38

وقال الإمام الرازي الشافعى، صاحب مناقب الشافعي، في معرض حديثه على قوله تعالى: {فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة}، قال: وإنما قلنا إن الطائفة هاهنا عدد لا يفيد قولهم العلم، لأن كل ثلاثة فرقة، والله تعالى أوجب على كل فرقة أن تخرج منها طائفة، والطائفة من الثلاثة، واحد أو اثنان، وقول الواحد أو الاثنين لا يفيد العلم. وقال أيضاً: فلأنا نعلم بالضرورة أن قول الواحد لا يفيد العلم. وقال: وأما النقل: فهو إما تواتر أو آحاد والأول يفيد العلم والثاني يفيد الظن... (6).
وقال الأسنوي: وأما السنة فالآحاد منها لا تفيد إلا الظن. وقال أيضاً: لأن رواية الآحاد إن أفادت فإنما تفيد الظن... (7).
وقال الزركشي في البحر: إن خبر الواحد لا يفيد العلم وهو قول أكثر أهل الحديث وأهل الرأي والفقه... (8).
وقال ابن الأثير: وخبر الواحد لا يفيد العلم ولكنا متعبدون به. وقال: وما حكي عن المحدثين من أن ذلك يورث العلم فلعلهم أرادوا أنه يفيد العلم بوجوب العمل، أو سموا الظن علماً، ولهذا قال بعضهم يورث العلم الظاهر، والعلم ليس له ظاهر وباطن، وإنما هو الظن(9)
وقال شيخ الاسلام الإمام أبو اسحاق الشيرازي: لنا: هو أنه لو كان خبر الواحد يوجب العلم لأوجب خبر كل واحد، ولو كان كذلك لوجب أن يقع العلم بخبر من يدعي النبوة ومن يدعي مالاً على غيره، ولما لم يقل هذا أحد، دل على أنه ليس فيه ما يوجب العلم...
ثم قال: ولأنه لو كان يوجب العلم لوجب إذا عارضه خبر متواتر أن يتعارضا، ولما ثبت أنه يقدم عليه المتواتر دل على أنه غير موجب للعلم... (10)
__________
(6) راجع ذلك كله إن شئت في كتابه المحصول 2/123-172 وفي نفائس الأصول شرح المحصول للقرافي 2/531
(7)  قاله في نهاية السول 1/41 و 2/270
(8) ذكره في البحر المحيط في أصول الفقه 4/262 فما فوق
(9)كما في جامع الأصول من أحاديث الرسول له 1/69
(10) قاله في التبصرة له ص299

وقال حجة الاسلام الإمام أبو حامد الغزالي في المستصفى: وإذا عرفت هذا فنقول: خبر الواحد لا يفيد العلم وهو معلوم بالضرورة وإنا لا نصدق بكل ما نسمع، ولو صدقنا وقدرنا تعارض خبرين، فكيف نصدق بالضدين وما حكي عن المحدثين من أن ذلك يوجب العلم فلعلهم أرادوا أنه يفيد العلم بوجوب العمل… (11)
وقال شمس الدين الأصفهاني: الأخبار المروية عن الرسول (إما متواترة أو آحاد، والمتواترة استحال أن تكون كذباً، وأما الآحاد فبعضها كذب قطعاً. ثم قال: أما الملازمة: فلأن خبر الآحاد لا يفيد إلا الظن. وقال أيضاً: وأما السنة فالآحاد منها لا يفيد إلا الظن...)(12)
وقال الامام ابن السبكي في الإبهاج: والنص قسمان: آحاد لا يفيد إلا الظن.(13)
وقال في جمع الجوامع: خبر الواحد لا يفيد العلم إلا بقرينة، ثم قال: الأكثرون لا يفيد مطلقاً(14).
وقال البيضاوي: لا ينسخ المتواتر بالآحاد لأن القاطع لا يرفع بالظن(15).
وقال الإمام أبو بكر بن فورك: وأما ما كان من نوع الآحاد مما صحت الحجة به من طريق وثاقة النقلة وعدالة الرواة واتصال نقلهم، فإن ذلك وإن لم يوجب القطع فإنه يقتضي غالب ظن وتجويز حكم(16).
وقال البغدادي الإسفرائيني: وأخبار الآحاد متى صح إسنادها وكانت متونها غير مستحيلة في العقل كانت موجبة للعمل بها دون العلم (17).
وقال الإمام الماوردي في الحاوي: وإذا كان كذلك فهو وإن أوجب العمل فغير موجب للعلم الباطن بخلاف المستفيض والمتواتر(18).
__________
(11)  قاله في المستصفى 1/145
(12)  قاله في شرحه لمنهاج الاصول 2/536-544 و 1/41
(13) كما في الابهاج شرح المنهاج 1/38
(14) كما في جمع الجوامع مع شرح للجلال المحلي 2/130
(15) كما هو في المنهاج مع شرحه للجزري 1/443
(16)  قال ذلك في كتابه مشكل الحديث وبيانه ص44
(17) ذكره في كتابه أصول الدين ص12، وفي كتابه الفرق بين الفرق ص250
(18) ذكره في الحاوي الكبير له 20/144

وقال الحافظ زين الدين العراقي: أي حيث قال أهل الحديث هذا حديث صحيح فمرادهم فيما ظهر لنا عملاً بظاهر الإسناد لا أنه مقطوع بصحته في نفس الأمر لجواز الخطأ والنسيان على الثقة، هذا هو الصحيح الذي عليه أكثر أهل العلم خلافاً لمن قال إن خبر الواحد يوجب العلم الظاهر كحسين الكرابيسي وغيره... (19)
وقال صفي الدين الأرموي: وأما النقل فهو إما آحاد أو تواتر، والآحاد لا يفيد إلا الظن(20).
وقال العز بن عبد السلام في رده على ابن الصلاح في جعله أحاديث الصحيحين تفيد القطع، حيث قال: إن المنقول عن المعتزلة: إن الأمة إذا عملت بحديث، يقتضي القطع بصحته، قال: وهذا مذهب رديء(21).
وقال الهيثمي في الصواعق المحرقة: وأيضاً ورد في أبي بكر وغيره كعلي نصوص متعارضة يأتي بسطها في الفضائل وهي لا تفيد القطع لأنها بأسرها آحاد وظنية الدلالة.
وقال أيضاً: لأن مفاد الإجماع قطعي ومفاد خبر الواحد ظني ولا تعارض بين ظني وقطعي، بل يعمل بالقطعي ويلغى الظني(22).
وقال ابن دقيق العيد: المسألة الثانية: نسخ الكتاب والسنة المتواترة هل يجوز بخبر الواحد أم لا؟ منعه الأكثرون، لأن المقطوع لا يُزال بالمظنون. وقال أيضاً: وأما المقام الثاني وهو أن ما كان من أخبار الآحاد مخالفاً لقياس الأصول المعلومة لم يجب العمل به، فلأن الأصول المعلومة مقطوع بها من الشرع وخبر الواحد مظنون والمظنون لا يعارض المعلوم... (23)
وقال الحافظ  الجرجاني: وخبر الآحاد هو ما نقله واحد عن واحد وهو الذي لم يدخل في حد الإشتهار وحكمه يوجب العمل دون العلم(24).
__________
(19) كذا ذكره في شرحه لألفيته في الحديث 1/15
(20) ذكره في نهاية الوصول 1/104
(21) نقله عنه الزركشي في سلاسل الذهب ص321، والحافظ العراقي في التقييد والايضاح ص41-42
(22)كما ذكره في الصواعق المحرقة 1/110-و1/174
(23) قال هذا كله في إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام له 1/189 و 3/121
(24) كما في تعريفاته 1/131

وقال أبو زرعة العراقي: اختلف في خبر الواحد هل يفيد العلم أم لا؟ على أقوال:
أحدها: أنه يفيد إذا احتفت به القرائن. ثانيها: أنه لا يفيد العلم مطلقاً ولو احتفت به قرائن وبه قال الأكثرون. الثالث: أنه يفيد العلم مطلقاً.
وقال أيضاً: لما ذكر المقطوع بكذبه والمقطوع بصدقه ذكر قسماً ثالثاً، وهو: مظنون الصدق، وهو خبر العدل الواحد(25).
وقال ابن التلمساني: اعلم أن المراد في أصول الفقه بخبر الواحد: الخبر الذي لا يفيد العلم واليقين(26).
وقال الإمام عضد الدين الإيجي: لنا أن المتواتر قاطع والآحاد مظنون، والقاطع لا يقابله المظنون(27).
-------
(25) ذكره كله في الغيث الهامع شرح جمع الجوامع 2/491-492
(26) ذكره في كتابه شرح المعالم في أصول الفقه 2/167
(27)  ذكره في كتابه شرح العضد على مختصر ابن الحاجب ص278

4-             المذهب الحنبلي:
وأول ما نبدأ به ما نسب إلى الإمام المبجل أحمد بن حنبل أمير المؤمنين فى الحديث رضي الله عنه، في ذلك لتكتمل الحلقة.
فقد روي عنه روايتان إحداهما إن خبر الآحاد لا يفيد العلم، والثانية أنه يفيده والأول هو الراجح عند فقهاء مذهبه.
قال موفق الدين بن قدامة المقدسي: اختلفت الرواية عن إمامنا رحمه الله -يعني أحمد بن حنبل- في حصول العلم بخبر الواحد، فروي أنه لا يحصل به وهو قول الأكثرين والمتأخرين من أصحابنا لأنا نعلم ضرورة أنا لا نصدق كل خبر نسمعه ولو كان مفيداً للعلم لما صح ورود خبرين متعارضين لاستحالة اجتماع الضدين(1).
--------------
 (1) قاله في روضة الناظر وجنة المناظر 1/260

وقال ابن بدران في تعليقه على روضة الناظر: فإسناد القول الثاني إلى الإمام من غير تقييد فيه نظر، وكذلك ما نسب إليه ابن الحاجب والواسطي وغيرهما من أنه قال يحصل العلم في كل وقت بخبر كل عدل وإن لم يكن معه قرينة فإنه غير صحيح أصلاً، وكيف يليق بمثل إمام السنة أن يدعي هذه الدعوى وفي أي كتاب رويت عنه رواية صحيحة ورواياته رضي الله عنه كلها مدونة معروفة عند الجهابذة من أصحابه والمصنف رحمه الله من أولئك القوم، ومع هذا أشار إلى أنها رواية مخرجة على كلامه ثم إنه تصرف بها كما ذكره هنا، فحقق ذلك وتمهل أيها المنصف(2).
وقال صفي الدين البغدادي: والآحاد ما لم يتواتر والعلم لا يحصل به في إحدى الروايتين وهو قول الأكثرين ومتأخري أصحابنا(3).
وقال موفق الدين بن قدامة المقدسي: وحد الخبر هو الذي يتطرق إليه التصديق والتكذيب، وهو قسمان: تواتر وآحاد؛ فالمتواتر يفيد العلم ويجب تصديقه وإن لم يدل عليه دليل آخر، وليس في الأخبار ما يعلم صدقه لمجرده إلا المتواتر، وما عداه إنما يعلم صدقه بدليل آخر يدل عليه سوى نفس الخبر(4).
وقال القاضي أبو يعلى: أن خبر الواحد لو كان موجباً للعلم لأوجبه على أي صفة وجد(5).
وقال سليمان الطوفي: الخبر إما تواتر فهو مفيد للعلم أو آحاد مجرد فلا يفيد العلم قطعاً كما تقرر هاهنا(6). 
وقال أبو الخطاب الكلوذاني: خبر الواحد لا يقتضي العلم وبه قال جمهور العلماء(7).
وقال ابن عقيل: خبر الواحد لا يوجب العلم لا الضروري ولا المكتسب على الصحيح من الروايتين عن أصاحبنا(8).
__________
(2) قاله في نزهة الخاطر على روضة الناظر له 1/261 ملحقه في كتاب روضة الناظر
(3) حكاه في قواعد الأصول ومعاقد الفصول ص16
(4) قاله في روضة الناظر 1/243
(5) قاله في العدة في أصول الفقه له 1/901
(6) قاله في شرحه لمختصر الروضة 2/108
(7) قاله في كتابه التمهيد في أصول الفقه 3/78
(8) ذكره في كتابه الواضح في أصول الفقه 4/403

وقال ابن تيمية: وخبر الواحد المتلقى بالقبول يوجب العلم عند جمهور العلماء… ثم قال: فإنه وإن كان في نفسه لا يفيد إلا الظن، لكن لما اقترن به إجماع أهل العلم بالحديث على تلقيه بالتصديق كان بمنزلة إجماع أهل العلم بالفقه على حكم مستندين في ذلك إلى ظاهر أو قياس أو خبر واحد، فإن ذلك الحكم يصير قطعياً عند الجمهور، وإن كان بدون الإجماع ليس بقطعي(9).
ويقول أيضاً: فلم يقل أحد من العقلاء أن كل خبر واحد أو خبر كل واحد يكون صدقاً أو يفيد العلم، ولا أنه يكون كذباً(10).
---------------------
(9)كذا كله قاله في كتابه علم الحديث ص100
(10) كذا في الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح 6/481، وانظر نحوه في المسودة لآل تيمية ص220

5-             الزيادة: أقوال بعض مشايخ هذا العصر:
قال العلامة الشيخ تقي الدين النبهاني: خبر الواحد: وهو ما رواه عدد لا يبلغ حد التواتر في العصور الثلاثة ولا عبرة بما بعدها، وهو يفيد الظن ولا يفيد اليقين(1).
وقال الشيخ محمود شلتوت: هذا هو التواتر الذي يوجب اليقين بثبوت الخبر عن رسول الله (أما إذا روى الخبر واحد، أو عدد يسير ولو في بعض طبقاته فإنه لا يكون متواتراً مقطوعاً بنسبته إلى رسول الله (وإنما يكون آحادياً، في اتصاله بالرسول شبهة فلا يفيد اليقين)(2).
وقال الشيخ أبو زهرة: وحديث الآحاد يفيد العلم الظني الراجح، ولا يفيد العلم القطعي، إذ الاتصال بالنبي، فيه شبهة(3).
وقال الشيخ عبد الوهاب خلاف: وسنة الآحاد ظنية الورود عن الرسول لأن سندها لا يفيد القطع(4).
وقال الشيخ الخضري بك، صاحب نور اليقين فى سيرة سيد المرسلين: أما خبر الواحد فهو خبر لا يفيد العلم بنفسه سواء أفاده بالقرائن أم لم يفده أصلاً(5).
وقال العلامة المباركفوري: إذ الحاصل بخبر الواحد الظن، وهو مما يقبل الضعف والشدة(6).
وقال الشيخ حسن البنا: فالذي عليه جماهير المسلمين من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من المحدثين والفقهاء وأصحاب الأصول: إن خبر الواحد الثقة حجة من حجج الشرع يلزم العمل بها ويفيد الظن ولا يفيد العلم.
        ثم قال: وأما من قال: يوجب العلم: فهو مكابر للحس(7).
__________
(1) ذكره في كتاب الشخصية 3/78
(2) ذكره في كتابه الإسلام عقيدة وشريعة ص59
(3) ذكره في كتابه أصول الفقه ص108
(4)ذكره في كتابه أصول الفقه ص42
(5) ذكره في كتابه أصول الفقه ص216 و 228
(6) ذكره في تحفة الاحوذي له 2/3670
(7) ذكره في مذكرة مباحث في علوم الحديث له ص37 فما فوق

ويقول العلامة أحمد إبراهيم بك: ومنها ما نقل آحاداً ولم يشتهر كالأول وقد يكون متواتراً في الأول ثم ينقل أحاداً وهذا القسم إن كان جميع رواته من لدن الرسول حتى وصوله إلينا ثقات عدولاً ضابطين لما سمعوه، كان ما نقلوه إلينا مفيداً للحكم الشرعي في المسائل العملية دون العقائد، بناء ثبوته ثبوتاً ظنياً راجحاً، والظن الراجح كاف في العمليات دون العقائد التي ترتكز على الأدلة القطعية(8).

ويقول العلامة الشهيد سيد قطب عن الأحاديث التي رواها مسلم في صحيحه في أن النبي قد سحره لبيد بن ألاعصم اليهودي: يقول: ولكن هذه الروايات تخالف أصل العصمة النبوية في الفعل والتبليغ ولا تستقيم مع الاعتقاد بأن كل فعل من أفعاله (وكل قول من أقواله سنة وشريعة، كما أنها تصطدم بنفي القرآن عن الرسول (أنه مسحور وتكذيب المشركين فيما كانوا يدعونه من هذا الإفك ومن ثم تستبعد هذه الروايات، وأحاديث الآحاد لا يؤخذ بها في أمر العقيدة، والمرجع هو القرآن والتواتر شرط للآخذ بالأحاديث في أصول الاعتقاد (9).
(8) ذكره في كتابه علم أصول الفقه ومعه تاريخ التشريع الاسلامي له ص18-19
(9) قاله في ظلال القرآن له 6/4008 عند كلامه عن سورة الفلق.

الوجه الثالث: أقوالهم، يعني العلماء الأجلاء، في عدم الإستدلال بخبر الواحد في العقائد
قال الإمام ابو إسحاق الشيرازي الشافعي، صاحب المهذب، فى الفقه الشافعي: الأصول طريقها العلم والقطع (1).
وقال: إن مسائل الإصول عليها أدلة قاطعة (2).
وقال: إن هذه الأصول عليها أدلة موجبة العلم قاطعة للعذر (3).
قال الإمام فخر الدين الرازي الشافعي عن الأصول: إن الله تعالى وضع على هذه المطالب أدلة قاطعة (4).
وقال ابن نجيم(5): الأصول والعقائد ... الحق فيها واحد إجماعا والمطلوب هو اليقين الحاصل بالأدلة القطعية (6).
قال أبو الخطاب الحنبلي: إن الفروع ليس عليها أدلة قاطعة... بخلاف الأصول فان عليها أدلة قاطعة (7).
قال أبو العباس القرطبي في معرض حديثه على حديث رؤية النبي (ربه ليلة الإسراء والمعراج: ليست المسألة من العمليات فيكتفى بها بالأدلة الظنية، وإنما هي من المعتقدات فلا يكتفى فيها إلا بالدليل القطعي)(8).
وقال صفي الدين الأرموي: وهذا لأن المطلوب في الأصول العلم واليقين، وخبر الواحد لا يفيده كما تقدم، بخلاف الفروع فإنه يكفي فيها الظن وخبر الواحد يفيده(9).
__________
(1)    التبصرة فى أصول الفقه، 302
(2)    التبصرة فى أصول الفقه، 497
(3)    شرح اللمع للامام الأصولي الفقيه الشافعي أبي إسحاق الشيرازي، الجزء 2 صحيفة 1044
(4)    المحصول فى أصول الفقه، الجزء 2 صحيفة 500
(5)    زين الدين بن ابراهيم بن محمد ابن نجيم ولد سنة 926 ه وتوفي سنة 970 ه، فقيه حنفي أصولي. من مؤلفاته "البحر الرائق شرح كنز الدقائق", الاشباه والنظائر" ," فتح الغفار بشرح المنار" (انظر شذارات الذهب الجزء 8 صحيفة 358، كشف الظنون الجزء 1 صحيفة 98, 356)
(6)    فتح الغفار، الجزء 3 صحيفة 36
(7)    التمهيد فى أصول الفقه، الجزء 4 صحيفة 210
(8)    كما في المفهم شرح صحيح مسلم له 1/402، ونقله عنه صاحب ظفر الاماني ص120 بتصرف
(9)    كما في نهاية الوصول في دراية الاصول له 7/2811


وقال أيضاً: وقد أجمعنا على أن خبر الواحد غير مقبول في أصول الدين(10).
وقال جمال الدين الأسنوي: لأن رواية الآحاد إن أفادت إنما تفيد الظن، والشارع إنما أجاز الظن في المسائل العملية وهي الفروع دون العلمية كقواعد أصول الدين(11).
وقال إمام المتكلمين القاضي الباقلاني: فخرج له من هذه أن خبر الواحد لا يقبل في العقليات وأصول العقائد وكل ما يلتمس فيه العلم. وقال أيضاً: اعلم وفقك الله إن كل ما يطلب العلم فيه فلا يقبل فيه أخبار الآحاد (12).
وقال علاء الدين السمرقندي: ومنها -أي أقسام الآحاد- أن يرد الخبر في باب العمل فأما إذا ورد في باب الاعتقادات وهي من مسائل الكلام فإنه لا يكون حجة لأنه يوجب الظن وعلم غالب الرأي لا علماً قطعياً، فلا يكون حجة فيما يبتنى على العلم القطعي والاعتقاد حقيقة (13).
وقال السبكي الشافعي: بأنه ليس من شرطه أن يكون قاطعاً متواتراً، بل متى كان حديثاً صحيحاً ولو ظاهراً وهو من رواية الآحاد جاز أن يعتمد عليه في ذلك لأن ذلك ليس من مسائل الإعتقاد التي يشترط فيها القطع (14)
وقال أبو الثناء محمود الماتريدي: ولهذا لا يكون حجة في المسائل الإعتقادية لأنها تبنى على العلم القطعي وخبر الواحد يوجب علم غالب الرأي وأكبر الظن لا علماً قطعياً (15).
وقال عبد الحميد الأسمندي: وإن أردتم إثبات القديم تعالى وصفاته، فنقول: بأنه لا يقبل فيه خبر الواحد، لأنا لو قبلناه فيها لقبلناه في الاعتقادات ولا يجوز قبول خبر الواحد في الاعتقادات (16).
__________
(10) المرجع السابق 7/2834
(11)كذا في نهاية السول 2/270
(12)كما في التلخيص 2/430
(13)كما في ميزان الأصول له ص430
(14) نقله في ظفر الأماني شرح مختصر الجرجاني ص120
(15)كما في كتابه أصول الفقه ص148
(16) كذا ذكره في كتابه بذل النظر في الاصول ص406

وقال الامام أبو العباس القرافي المالكي في جوابه على من منع العمل بخبر الواحد فقال: وجوابها: أن ذلك مخصوص بقواعد الديانات وأصول العبادات القطعيات(10).
وقال أبو الخطاب وابن عقيل: أنه لا يعمل بأخبار الآحاد في أصول الديانات (11).
وقال الإمام أبو اسحق الشيرازي الشافعي، صاحب اللمع، رداً على من قال لو جاز أن يقبل خبر الواحد في الفروع لجاز في الأصول مثل التوحيد واثبات الأصول. فقال: الجواب: إن في مسائل الأصول أدلة عقلية موجبة للعلم قاطعة للعذر فلا حاجة بنا إلى خبر الواحد (12).
وقال حجة الاسلام أبو حامد الغزلي: وَالْقَطْعِيَّاتُ ثَلاثَةُ أَقْسَامٍ: كَلامِيَّةٌ، وَأُصُولِيَّةٌ، وَفِقْهِيَّةٌ .
أَمَّا الْكَلامِيَّةُ فَنَعْنِي بِهَا الْعَقْلِيَّاتِ الْمَحْضَةَ، وَالْحَقُّ فِيهَا وَاحِدٌ، وَمَنْ أَخْطَأَ الْحَقَّ فِيهَا فَهُوَ آثِمٌ، وَيَدْخُلُ فِيهِ حُدُوثُ الْعَالَمِ وَإِثْبَاتُ الْمُحْدِثِ وَصِفَاتُهُ الْوَاجِبَةُ وَالْجَائِزَةُ وَالْمُسْتَحِيلَةُ وَبِعْثَةُ الرُّسُلِ وَتَصْدِيقُهُمْ بِالْمُعْجِزَاتِ وَجَوَازُ الرُّؤْيَةِ وَخَلْقُ الأَعْمَالِ وَإِرَادَةُ الْكَائِنَاتِ وَجَمِيعُ الْكَلامِ فِيهِ مَعَ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْخَوَارِجِ وَالرَّوَافِضِ وَالْمُبْتَدِعَةِ .
وَحَدُّ الْمَسَائِلِ الْكَلامِيَّةِ الْمَحْضَةِ مَا يَصِحُّ لِلنَّاظِرِ دَرْكُ حَقِيقَتِهِ بِنَظَرِ الْعَقْلِ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ، فَهَذِهِ الْمَسَائِلُ الْحَقُّ فِيهَا وَاحِدٌ وَمَنْ أَخْطَأَهُ فَهُوَ آثِمٌ، فَإِنْ أَخْطَأَ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الإِيمَانِ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهُوَ كَافِرٌ، وَإِنْ أَخْطَأَ فِيمَا لاَ يَمْنَعُهُ مِنْ مَعْرِفَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَمَعْرِفَةِ رَسُولِهِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الرُّؤْيَةِ وَخَلْقِ الأَعْمَالِ وَإِرَادَةِ الْكَائِنَاتِ وَأَمْثَالِهَا فَهُوَ آثِمٌ مِنْ حَيْثُ عَدَلَ عَنْ الْحَقِّ وَضَلَّ ، وَمُخْطِئٌ مِنْ حَيْثُ أَخْطَأَ الْمُتَيَقَّنَ، وَمُبْتَدِعٌ مِنْ حَيْثُ قَالَ قَوْلا مُخَالِفًا لِلْمَشْهُورِ بَيْنَ السَّلَفِ وَلا يَلْزَمُ الْكُفْرُ .
وَأَمَّا الأُصُولِيَّةُ فَنَعْنِي بِهَا كَوْنَ الإِجْمَاعِ حُجَّةً وَكَوْنَ الْقِيَاسِ حُجَّةً وَكَوْنَ خَبَرِ الْوَاحِدِ حُجَّةً، وَمِنْ جُمْلَتِهِ خِلافُ مَنْ جَوَّزَ خِلافَ الإِجْمَاعِ الْمُنْبَرِمِ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعَصْرِ وَخِلاَفَ الإِجْمَاعِ الْحَاصِلِ عَنْ اجْتِهَادٍ وَمَنَعَ الْمَصِيرَ إلَى أَحَدِ قَوْلَيْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ عِنْدَ اتِّفَاقِ الأُمَّةِ بَعْدَهُمْ عَلَى الْقَوْلِ الآخَرِ ، وَمِنْ جُمْلَتِهِ اعْتِقَادُ كَوْنِ الْمُصِيبِ وَاحِدًا فِي الظَّنِّيَّاتِ، فَإِنَّ هَذِهِ مَسَائِلُ أَدِلَّتُهَا قَطْعِيَّةٌ وَالْمُخَالِفُ فِيهَا آثِمٌ مُخْطِئٌ.
وَقَدْ نَبَّهْنَا عَلَى الْقَطْعِيَّاتِ وَالظَّنِّيَّاتِ فِي أَدْرَاجِ الْكَلامِ فِي جُمْلَةِ الأُصُولِ .
وَأَمَّا الْفِقْهِيَّةُ فَالْقَطْعِيَّةُ مِنْهَا وُجُوبُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَالصَّوْمِ وَتَحْرِيمِ الزِّنَا وَالْقَتْلِ وَالسَّرِقَةِ وَالشُّرْبِ، وَكُلِّ مَا عُلِمَ قَطْعًا مِنْ دِينِ اللَّهِ فَالْحَقُّ فِيهَا وَاحِدٌ وَهُوَ الْمَعْلُومُ وَالْمُخَالِفُ فِيهَا آثِمٌ (12-ا).
وقال البزدوي: خبر الواحد لما لم يفد اليقين لا يكون حجة فيما يرجع إلى الاعتقاد لأنه مبني على اليقين وإن كان حجة فيما قصد فيه العمل (13).
وقال شيخ الإسلام الحافظ ابن حجر الشافعي العسقلاني: الذي يظهر من تصرف البخاري في كتاب التوحيد، أنه يسوق الأحاديث التي وردت في الصفات المقدسة فيدخل كل حديث منها في باب ويؤيده بآية من القرآن للإشارة إلى خروجها عن أخبار الآحاد على طريق التنزيل في ترك الاحتجاج بها في الاعتقادات…(14).
وقال الإمام بدر الدين العيني في شرح صحيح البخاري عند قوله "في الآذان" قال: إنما ذكر هذه الأشياء ليعلم أن إنفاذ الخبر إنما هو في العمليات لا في الاعتقادات (15).
وقال المُلاّ علي القاري عن حديث أبوي رسول الله (في النار: فقال: إلا أن يكون قطعي الدراية لا ظني الرواية، لأنه في باب الإعتقاد لا يعمل بالظنيات ولا يكتفى بالآحاد)(16).
__________
(10) كما في تنقيح الفصول له ص358
(11) كما نقله عنهم ابن النجار في الكوكب المنير 2/352
(12) كما في شرح اللمع له 2/601
(12-ا)المستصفى فى الأصول، الجزء 1 صحيفة 348
(13) كما في كشف الاسرار على أصول البزدوي 3/27
(14) كما في فتح الباري 13/359
(15) كما في عمدة القاري للعيني 25/12
(16) قال في كتاب أدلة معتقد أبي حنيفة في أبوي رسول الله  ص62

وقال العلامة بخيت المطيعي على شرح الأسنوي: وحاصل الجواب أننا نمنع أن العلة التي اقتضت وجوب العمل بخبر الواحد في العمليات موجودة في الإعتقادات، لأن المطلوب في العمليات هو العمل، ويكفي في ذلك الظن، والمقصود في الإعتقادات الإعتقاد المطابق للواقع من موجب فلا يكفي في ذلك الظن (17).
وقال محمود شلتوت: ومن هنا يتأكد أن ما قررناه من أن أحاديث الآحاد لا تفيد عقيدة ولا يصح الإعتماد عليها في شأن المغيبات، قول مجمع عليه وثابت بحكم الضرورة العقلية التي لا مجال للخلاف فيها عند العقلاء (18).
وقال سيد قطب: وأحاديث الآحاد لا يؤخذ بها في أمر العقيدة والمرجع هو القرآن، والتواتر شرط للأخذ بالأحاديث في أصول الإعتقاد (19).
ويقول عبد الوهاب النجار: الخبر إذا كانت رواته آحاداً فلا يصلح أن يكون دليلاً على ثبوت الأُمور الإعتقادية لأن الأُمور الإعتقادية الغرض منها القطع والخبر الظني الثبوت والدلالة لا يفيد القطع (20).
ويقول عبد الرحمن الجزيري: معلقاً على حقيقة السحر: ولم يبق للقائلين بأن السحر له أثر حقيقي إلا الإستدلال بحديث البخاري الذي رواه عن عائشة رضي الله عنها من أن النبي (قد سحر وأنه كان يُخيل له أنه يفعل الشيء ولم يفعله، وهذا حديث صحيح لم يتعرض أحد للقدح في أحد من رواته، ومن الحسن أن يقال: إن مثل هذه الأحاديث تجزئ في المسائل الفرعية لا في المسائل الإعتقادية، فإن العقائد لا تبنى إلا على الأدلة اليقينية وهذه الأحاديث مهما كانت صحيحة فهي أحاديث آحاد لا تفيد إلا الظن (21).
__________
(17)كذا في تعليقه على شرح الأسنوي لمنهاج البيضاوي 2/270
(18) ذكره في كتابه الإسلام عقيدة وشريعة ص61
(19) قاله في ظلال القرآن 6/4008
(20) قاله في كتابه قصص الأنبياء في مقدمة الكتاب نقطة رقم 4
(21) ذكره في كتابه الفقه على المذاهب الاربعة 5/391 فما فوق

الوجه الرابع: الخاتمة
هذا ما وقع لنا من أقوال العلماء، وأكتفي بهذا القدر منها. ولو أراد المرء أن يجعلها مئين أو أكثر لحصل له ذلك إذا تحصلت لديه المُكنة وتوفرت عنده المراجع. والله أعلم بالصواب وهو أعلم بمراده

sumber : hadits learning center